الأمر الثاني: هو نتيجة أخرى أخطر من سابقتها، وهي أنهم جعلوا الدين هو المحبة، ووصل بهم الأمر إلى اعتقاد وحدة الأديان، فليس المهم أن يكون المرء مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً، إنما المهم أن يكون محباً عارفاً، وهم في ذلك لا يختلفون عن الهندوس ، فـبوذا معناه: العارف، فلذلك يرى الصوفية أن كل من عرف وكل من بحث عن الطريق وكل من سار فيه على أي دين فهو مقبول، وهذا الذي كان يقول فيه ابن عربي :
وقد كنت قبل اليوم أهجر صاحبي            إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
يقول: كنت إذا وجدت إنساناً على غير دين الإسلام أنبذه وأهجره؛ لأنه غير مسلم.
ثم قال بعد أن ترقى وفهم:
فأصبح قلبي قابلاً كل صورة            فدير لرهبان وكعبة لأوثان
إلى أن يقول:
أدين بدين الحب أنى توجهت            ركائبه فالحب ديني وإيماني
يعني: كل من يحب الله فهو على هذا الدين، فالدين عنده ليس دين الإسلام، وإنما هو دين الحب فقط أينما كان.
وقد نقل من كتب تاريخ الحلاج أن أحد الناس المسلمين مر بيهودي في بغداد فنهره وقال له: اسكت يا يهودي. فنظر إليه الحلاج شزراً وغضب عليه غضباً شديداً وقال له: لماذا تنهره؟! لا تعير أحداً بدينه؛ فإن الأديان طرائق إلى الله، وإنك إن عبت أحداً بدينه فقد جعلته مختاراً، والله هو الذي اختاره له! أي: كأنك تشرك بالله إذا قلت لأحد: دينك كذا؛ لأنك تثبت أنه هو الذي اختار، والحقيقة أن البشر لا يختارون، وإنما الله تعالى هو الذي يختار لهم الطرق إليه! ثم أنشد في ذلك أبياتاً، وغير ذلك كثير.
ومن أفحش ما جاء عنهم في هذا قصيدة عبد الكريم الجيلي و عبد الغني النابلسي ، فهذان كشفا عن سوأة ما كان يستره ابن عربي و ابن الفارض ، فـابن عربي و ابن الفارض أعطاهما الله من البيان شيئاً عجيباً، وقد أنصف شيخ الإسلام حين ذكر قوة بيانهما وسحرهما، لكنهما يقدمان لحم الخنزير في طبق من ذهب.
أما الجيلي و النابلسي فإنهما لم يستحيا في كشف الكفر الذي عليه أولئك القوم الذين يستترون بالحب ويزعمونه، وهم من أخبث الناس.